نصوص مختارة

0
3861

فصل من تاء الخجل

فضيلة الفاروق

دعاء الكارثة

“الزّمان هو جرح العرب، إنّهم يرتاحون للماضي”* و قسنطينة لا تتحدث إلاّ بلغة الماضي .

أعبُر شارع عبّان رمضان و الماضي يتناثر من حولي مع نداء صلاة الظهر: الله أكبر…

تبدو المآذن غائبة في حلم ما، تعانق البنفسج في السماء، و كأنّها في حالة حب، الناس يرددون ” الله أكبر”

الناس هنا لا يخالفون ما تقوله المآذن، حتى حين قالت:

” اللهمّ زنِّ بناتهم” …قالوا :” آمين”

و حتى حين قالت: اللّهمّ رمِّل نساءهم” قالوا :” آمين”

كانوا قد أصيبوا بحمى ” الجبهة الإسلامية للإنقاذ” فغنُّوا جميعا دعاء الكارثة…

-اللهم زنِّ بناتهم

– آمين

– اللهم رمّل نساءهم

– آمين

– اللهم يتّم أولادهم

– أمين !!!

كانت موضة جبهة الإنقاذ…! صرعة …تغيير…!

و لهذا تنام ” يمينة” نازفة في المستشفى الجامعي حاملة آثار التغيير.

و لهذا مئات الزهرات يُغتَصبن، ما باركه الشعب بالدعاء كان يجب أن يصيب الشعب لا غير…!

غباء مميت…!

إنتبهت أنّ سيارة كادت تدهسني، و أنا أحاول قطع الطريق.

تراجعت إلى الخلف مذعورة، أما شتيمة السّائق فقد اخترقت أذني حادّةً مثل سكين.

كدتُ أغضب، لكن مشوار حزني كان في أوله، فرمقت السّائق بنظرة لا مبالية، و اكتفيت بترديد شيء بيني و بين نفسي ” مسكين…إنّه بلا أخلاق”

نحن لا نكون مساكين إلا إذا كنا بلا أخلاق.

هدأت المآذن…

خفّ الزحام من الطريق…

طيْرانِ في السّماء تعانقا، و يمينة تغني في رأسي بأنفاسها، إنّها متعبة، و تحلم برؤية الأهل.

وأنا كل الأهل بالنسبة لها الآن! أي مضيق هذا الذي تلقّفني ؟؟؟

ها هي المفاجأة التي  لم أكن أنتظرها، أن أدخل عالم المغتصبات لا كصحفية، و لكن كفرد من الأهل، أي شيئ سأكتبه عن يمينة؟ هي الممددة على فرح إسمه أنا؟ هي النّائمة على أمل ليس أكثر من راديو، سأحضره لها أنا، لأني أنا الأهل، و أنا الأقارب، و أنا ابنة اللسان الذي وحّدنا في يوم غير متوقع، و في ظروف غير متوقعة.

طيلة الطريق و أنا أفكِّر كيف سأكتب عن الموضوع؟ بأيّة صيغة و بأيِّ قلب؟ بأيّة لغة و بأيّ قلم؟ أقلام القرابة لا تحب التّعدِّي .

أقلام القرابة …

أقلام الدم الواحد لا تعرف أن تخون!

فكيف لي أن أخون تلك الأنفاس السّعيدة بحضوري؟ كيف لي أن أخون تلك العيون المعبأة بالثقة؟

كيف هي الكتابة عن أنثى سُرقت عُذريّتها عنوة؟

لم أعد أعرف كيف هي الكتابة، لم أعد أعرف ألوان الأقلام

لم أعد أعرف لون الورق .

كل شيئ أصبح يشبه هذيان ” راوية” و نزيف ” يمينة…

كل شيء صار أحمر …دما ..دما …دمًا .

-لن أكتب الموضوع.. إنتهى الأمر.

ورقتان  طارتا…

صديقان إفترقا : – صحّ رشيد …

-صحّ لعزيز ..آمن عاش ( تحياتي أيها العزيز ..نلتقي إن عشنا)

انتبهتُ أنّ في عينيها بريق أمل.

انتبهتُ أنّ قسنطينة قد ازدادت جمالا.

وأنّ أشجار الصّنوبر بدأت تثرثر، والهواء يعاكس شعر البنات، والحكايات هنا وهناك، بين أطفال المدارس  الرّاكضين  إلى البيوت.

تمنّيتُ أن أصبحَ طفلة. أن تحملني الرِّيح إلى مدرسة البنات في آريس، أن أركض على الجسرالصغير، أن أصغي لهمسات الصّفصاف، أن أرمي طائرة ورقية من على الجسر و أصفّق حين تعلو و تعلو، و تتحاشى فروع الشجر.

كانت لعبتي المفضلة أن أصنع أشياء  جميلة بالورق…

ما زال الورق ضروريا في حياتي، مازلت أصنع به أشيائي الجميلة، و لهذا لن أكتب عن يمينة و لن أسمح للمصور أن يأخذ صورة لحزنها، و يغطي عينيها لئلاّ يعرفها أحد.

هناك قضايا لا تحلُّها صرخات الجرائد.

هناك قضايا يحلُّها العدل، القانون، و الضمائر الحية.

هنا…العدل يصنعه الرجال حسب تصوراتهم الضيقة. فالمادة 336 من قانون العقوبات الجزائري الخاصة بانتهاك العرض تنصُّ على ” معاقبة كل من ارتكب جناية إغتصاب بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات، و إذا وقع هتك العرض ضد قاصرة لم تكمل السادسة عشرة فتكون العقوبة بالسجن المؤقت من عشر إلى عشرين سنة” القانون ليس صارما، مقارنة مع القانون الفرنسي الذي ينصُّ على ظرف مُشَدّد يكمن في التعدي على جسم الضحيّة بالإعتداء الجنسي فترفع العقوبة إلى عشرين سنة نافذة. الرجال هنا يفصّلون الإسلام على أذواقهم.

فمن يعرف رحمة الإسلام من بين هؤلاء؟

لا أحد…!

فالبعض يغتصب النّساء باسمه…و البعض ينبذهن باسمه أيضا.

و البعض يمنحهن تعويضا ” تافها” من الولاية يعادل ألفي دينار باسمه ( 20 دولارا)

والبعض ينكر أنهن ضحايا بإسمه، والجمعيات النسائية تستنكر وتصرخ…وجمعيات ضحايا الإرهاب تستنكر وتصرخ…

و وحدهن المغتصبات يعرفن معنى انتهاك الجسد، و انتهاك الأنا. وحدهن يعرفن وصمة العار، و التشرد و الدعارة و الإنتحار…

وحدهن يعرفن الفتاوي التي أباحت الإغتصاب:

” الأمير هو الذي يهديها..

لا يُقَبِّلها إلا من أهديت له، و بإذن الأمير.

لا تُجَرّد من الثياب أمام الأخوة.

لا يجوز النظر إليها بشهوة. لا تُضرب من الأخوة بل ممن أهديت له، فعليه أن يفعل بها ما يشاء في حدود الشرع.

إذا كانت سبية هي و أمها، دخلت على أمها، فلا يجوز أن تدخل على أبنتها.

إذا وطئها الأول فلا يجوز وطؤها إلا بعد أن تستبرئ بحيضة، و تجوز المداعبة مع الغزل.

إذا كان الأب و إبنه فلا يجوز الدخول على نفس السبية.

إذا كانت سبية وأختها، فلا يجوز الجمع بينهما مع مجاهد واحد”

( عثر على هذه الوثيقة بعد مجزرة بن طلحة و اجتياح الجيش لمنطقة أولاد علاّل، و ثيقة توضح أدبيات الوطء حررت يوم 5 جمادى الأولى 1418هجري و مصدر الفتوى مجهول تماما.

بشكل ما كنتُ أعرف كل هذه الأشياء، إثر تحقيق سابق قمتُ به. و الناس يعرفون، و رجال القانون يعرفون، لكن من يعرف فظاعة و هول التجربة غير زهرات يعشن اليوم بين أشواك العار و الجنون؟

أأفضح يمينة؟

أأفضح نفسي؟

غدًا سيقول الأقارب والأهل وكل من يعرف اسمي ” هذه إبنة عبد الحفيظ مقران تفضح واحدة منا”

كيف وصلت بي الأمور إلى هنا؟

كيف فكّرتُ بهذه الطريقة؟

طَردتُ كل تلك الأفكار و جلست أمام رئيس التحرير صامتة، يتكلّم و أنا لا أسمعه ثم إقترب و صرخ في وجهي:

ما بك اليوم؟

انتفضت و كدت أقول له:

كيف وصلت إلى هنا؟

إذ لم أعد أتذكر كيف قطعت كل تلك المسافة من وسط المدينة إلى دار الصحافة.

نظرتُ إليه بعينين ضائعتين، فقال لي و هو يسحب سيجارة و يحاول إشعالها:

أين وصلتِ في التحقيق؟

عدتُ إلى واقعي و سألته: لمَ لا يصلي الناس مثلما كانوا يصلُّون قبل أيام ” الفيس” و يطلبون المغفرة و الرحمة و إحلال السلام؟

(الفيس: مختصر لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ)

توقّف عن الحركة قليلا، أطفأ سيجارته قبل أن يدخّنها، و عاد إلى مكانه ثم قال:

ما الذي حدث في المستشفى؟

عدتُ إلى واقعي أكثر و أجبت:

إنّها مأساة!

-أكتبيها إذن.

-لا …

-نعم؟

-لا…لن أكتب شيئا عنهن؟

– لست بوعيك على ما يبدو، هل أنت مريضة اليوم؟

ابتسمتُ و قلت له:

-لا ، لستُ مريضة.

هزّ كتفيه متسائلا:

-إذن؟؟؟

-سأكتب عن الدُّعاء.

– أي دعاء؟

– دعاء ” الفيس” هل تذكره؟ لقد رُدِّد في كل المساجد أيام الإضرابات، ذلك الذي يقول ” اللهم زنِّ بناتهم، و يتِّم أولادهم، و رمّل نساءهم…إلى آخر الدعاء”  سأسأل الناس الذين رددوه، سأسأل ضمائرهم، أريد أن أعرف مستواهم، هل كانوا يعرفون مإذا يقولون؟ لمإذا انقادوا وراء أئمة ” الفيس” و طلبوا بالإجمال طلبا غريبا كهذا من الله.

قاطعني رئيس التحرير:

خالدة…أريد أن تكتبي عن تجربة هؤلاء الفتيات؟

-لكني كتبت سابقا، قدمت إحصائيات، خمسة آلاف أمراًة أغتصبن منذ العام 1994، قلت أن ألف و سبعمائة أمراًة أغتصبن خارج دائرة الإرهاب، قلتُ أن الوزارة لا تهتم، قلت أن القانون لا يبالي، قلت أن الأهل لا يبالون، طردوا بناتهم بعد عودتهن، قلت أنهن أصبن بالجنون، ذهبن للدعارة ، إنتحرن…هل تحرّك أحد غير خالدة مسعودي و مثيلاتها ( خالدة مسعودي مناضلة نسوية في الجزائر لها كتاب بالفرنسية عنوانه ” أمراًة واقفة”؟

قاطعني بصوت مرتفع:

نحن لسنا القانون ..نحن صحافة.

قاطعته أنا أيضا صارخة:

نحن سخافة.

ضرب بقبضته على الطاولة:

-ما الذي أصابك اليوم؟

-تخيّل أنّ ابنتك اختطفت ذات ليلة، اغتصبت و حبلت و انجبت عارا، و هي الآن في المستشفى الجامعي تنزف، و أجيء أنا كصحافية لأقول أن إبنة فلان حدث لها كذا و كذا، هل ستقبل؟

ضحك ساخرا و هو يقترب مني:

منذ متى ذكرنا أسماء الناس في هكذا حالات؟

-الحقيقة تكشف الأسماء و الألقاب، لا أحد سيصدقنا إن لم نكتب الحقيقة بأكملها.

– خالدة إختصري قالها بغضب…

و بهدوء أجبته : لن أكتب عنهن، سأكتب عن الدعاء.

أخذ نفسا عميقا لإستعادة هدوئه ثم قال لي و هو يضغط على كل كلمة يقولها:

-الخطف والإغتصاب أصبحا استراتيجية حربية منذ 1995 وأداة للصراع المسلح بين الجماعات الإسلامية المسلحة والمجتمع الأعزل، كيف سيفهم العالم ما يحدث عندنا إذا لم نكتب نحن عنه؟

ضحكتُ من كل قلبي :

تبدو مضحكا …( واصلت بسخرية)  العالم سيقرأ جريدتنا التي لا توزع عشرة آلاف نسخة في الوطن، و لا تصل حتى جيراننا في المغرب و تونس، و لا تدخل الأنترنت ” يا راجل ما تركز معايا” قلتها بلهجة مصرية أكثر سخرية و خرجت.

فضيلة الفاروق

تاء التأنيث: انعام بيوض

She (Feminine ‘She’)

تاء التأنيث

On my lips

sorrow dried up

Not unlike a breach

On a petal of rose.

The petal slept on the breach

And the breach prevailed.

From night dawn

Till dawnset

I wriggle

Staring in a face I know

I scatter like agate seeds

Their land they forgot.

Lost their way

Land is deserted.

You، Emerging lies

Uttering a wriggled letter

From a suspected lips;

That’s what you are.

You، a linguistic perfection

Be fluent.

Here is a woman، here is she

With a painful stress on the ‘e’

Conjugated as a weakened

A crucified noun.

Crucifix tool of which

يبس الحزن على شفتيّ

كالثلمة في بتل الوردِ

نام البتل على ثلمته

سَئِدَ الثُّلْمُ

أتلوّى من فجرِ الليلِ

إلى عصرِ الفجرِ

أتفرّسُ وجهاً أعرفهُ

انفرطَ كحبّاتِ عقيقٍ

نَسِيَتْ موطنها

ضَاعَ الحَبُّ

وباتَ المَوْطِنُ مهجورًا

يا أنت…

إفك يتَمَخَّضُ

يلفظ حرفاً ملوياً

مشبوهَ المخرجِ

هذا أنتَ

يا ذاكَ الإعجازٌ اللغويُ تفصّحْ

هذي امرأة

تتوجَّع همزتُها فوقَ الألف

هذي امرأة إعربها

(اسمٌ ناقصٌ مصلوب)

وعلامةٌ صلبِه

 تاءُ التأنيثِ بآخرهِ

تاء التأنيثِ بداخلهِ

تقطر مزجا شهدياً

لزجاً.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here